الاقتصاد السوداني ما بعد 9 يوليو
بقلم: موسى يعقوب
قبل عام من وقوع الانفصال دستورياً كما حدث في 9 يوليو 2011 م كانت استدامة الاستقرار للاقتصاد في الجمهورية الثانية كما عبر السيد وزير المالية في لقاء له بصحبة محافظ البنك المركزي مع الأجهزة الإعلامية وقياداتها، هي الشاغل الأول بعد الترتيبات الأمنية والأخرى ذات الصلة بدولة جديدة مجاورة في الجنوب.
وما يشغل البال في ذلك الخصوص حسب المسئولية هو فاقد عائد النفط في الإيرادات والمدفوعات (النقد الأجنبي) والناتج الإجمالي في نهاية الأمر وتلك وغيرها ترتيبات لابد منها في أية أزمة أو طارئ يحدث في العالم.
ومن أهم ذلك – كما قال السيد الوزير في تلك الأمسية (14 يونيو الماضي) – هو: خفض المصروفات وزيادة الإيرادات عبر وسائل بعينها كتنمية الصادرات غير البترولية (الزراعة والصناعة والتعدين) إلى جانب التركيز على الاكتفاء الذاتي من بعض السلع ذات الخصوصية في الاستهلاك كالسكر والاهتمام أكثر في هذا السياق ببرامج الدعم الاجتماعي وما يخص الفئات الضعيفة.
وليطمئن السيد وزير المالية والاقتصاد الرأي العام عبر الوسائط الإعلامية التي كان قادتها شهوداً ذكر أن هناك تأمين للسلع الاستراتيجية لمدة ستة شهور بغرض امتصاص الأثر السالب على الاقتصاد في المرحلة الأولى. وعلى ذلك الطريق أيضاً – طريق التطمين وتهدئة الخواطر – مشى الدكتور محمد خير الزبير محافظ البنك المركزي الذي قال أن منتج الشمال اليوم من النفط يبلغ (مائة وعشرة آلاف برميل) في اليوم وسيرتفع في عام 2013 م إلى (ثلاثمائة ألف برميلاً) أي ثلاثة أضعاف ما يتدفق الآن. مضيفاً إلى ذلك أن خطوط النفط وموانئ التصدير التي هي ملك لدولة الشمال ستكون لها عائداتها كما أن تبديل العملة في الجنوب كما يقتضي قيام دولة مستقلة هناك – قال الدكتور محمد خير سيجعل من صادراتنا إليها سلعاً دولارية.
وبما أن السودان دولة زراعية والعالم معني بالغذاء كان التطرق ذلك المساء إلى الزراعة التي يجري التركيز فيها على القطن (350 ألف فدان) والإنتاج الحيواني مع تطويره والمضي في مشروع زراعة القمح في الحوض الرملي النوبي الذي يمتد من غرب أم درمان إلى حلفا ويجري الترتيب له مع البلاد العربية المعنية بقضية الغذاء.
وكذلك كان التطرق إلى الذهب وهو منتج جديد لم يكن متوقعاً له هذا الرواج والاسهام في الاقتصاد الذي اصبح في حاجة إلى بدائل ومنتجات تعين على الاستقرار الاقتصادي هدف الدولة الحالي. ولما كان الاهتمام أيضاً بالصادر والاكتفاء الذاتي لم يكن غائباً عن البال إنتاج الحبوب الزيتية وصناعة الدواء والنهوض بالصناعة والتعدين في البلاد بشكل عام كما يجري ذلك الأمر على قدم وساق في عهد الدكتور الجاز وزير الصناعة الحالي.
ولما كان الهم اليوم مجتمعياً هو العدالة فأن استصحاب العدالة مع النمو والعدالة في سعر الصرف بقدر الإمكان – هكذا قال السيد المحافظ – لجذب موارد المغتربين.
إن هذا الذي سمعناه عن استقرار الاقتصاد المطلوب بعد 9 يوليو يدعو للطمأنينة حقاً إلا أن السؤال الذي يطارد الجميع هو: هل ستكون استدامة الاستقرار الاقتصادي ممكنة في ظل المتغيرات الماثلة والمتجددة ولا سيما على صعيد السياسة والأمن بيد أن الأعمال بالنيات ومن سار على الدرب وصل.
إنها إطلالة سريعة على الاقتصاد في الجمهورية الثانية وهو موضوع طويل ومعقد أسسنا النظر إليه وفيه من خلال اللقاء الصحفي والإعلامي الذي اقامه السيد وزير المالية والاقتصاد الوطني علي محمود والدكتور محمد خير الزبير محافظ البنك المركزي والسيد وكيل وزارة المالية. هذا العدد السادس والثلاثون من مجلة المصارف وهو يصدر في هذا الظرف التاريخي قدّرنا أن يخرج دون الاشارة إلى أبرز تداعيات الانفصال في البد وهو الاقتصاد في الجمهورية الثانية وما يمكن أن يؤول إليه.