هل تصبح صناعة بنجر السكر شعبية؟

طباعة

 

برير جاد الله البرير
صحفي وباحث

•    يتميز بنجر السكر بقصر فترة إنتاجه ويمكن أن يدخل ضمن الدورة الزراعية
•    البحوث تشير إلى نجاح زراعة المحصول في ولاية الجزيرة وشمال السودان عامة
مقدمة
السكر سلعة استراتيجية لا تني الحاجة إليها تتجدد وباضطراد، رغماً عن تأثر معدلات استهلاكه بطبيعة البلدان ونظمها الاجتماعية والسياسية وحجم الإنتاج فيها. فاستهلاك الفرد في مظهره الحضاري من السكر يتراوح ما بين 27 – 40 كيلو جرام سنوياً. ولكن من يمتلك القدرة على إنتاج هذه المادة الحيوية يستطيع أن يراهن على انتعاش اقتصاده ليخطو بثبات نحو زيادة العائدات ووفرة المدخلات.
إن إنتاج السودان يعتمد على محصول قصب السكر، إلا أن ثمة بارقة امل تنبئ بإمكانية إنتاج السكر من بنجر السكر الذي أثبتت التجارب والأبحاث التي تقوم بها دوائر الاختصاص نجاحاً للمحصول يفوق الكثير من الدول التي إشتهرت بزراعته، مما حدا بنا للوقوف عند فرص صناعة بنجر السكر في السودان.
ما هو البنجر؟
البنجر نبات جذري تنمو ثمرته تحت سطح الأرض بينما تنمو أوارقه على سطحها وتنتشر. وهو من محاصيل المناطق المعتدلة الباردة، ويزرع في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوربا في الصيف حيث تبدأ زراعته في منتصف مارس وحتى نهاية أبريل، بينما يكون حصاده في منتصف سبتمبر وحتى أواخر ديسمبر، وتتم زراعته في أسبانيا والجنوب الإيطالي كمحصول شتوي يزرع في فصل الخريف (سبتمبر – نوفمبر) ويحصد في نهاية الربيع وفصل الصيف (أبريل – يوليو).
بنجر السكر:
بذرة بنجر السكر ثمرة تحتوي على عدة أجنة يتم التخلص منها بعد بذرها ونمو البادرات التي يبقى على أقواها خاصة الجذر الي يحتوي على السكر وصولاً إلى محصول إقتصاي كماً، ونوعاً، ويعمل الباحثون على استنباط أصناف وحيدة الأجنة تنتج بادرة واحدة مما يقلل عمليات الزراعة ويتيح استخدام الآلة المطلق.
تندرج أصناف البنجر تحت ثلاثة أنواع هي:
•    طراز Z (Type z) تتميز أصنافها بصغر الحجم وإرتفاع المحتويات السكرية، يصلح للزراعة المبكرة والحصاد المبكر في بداية موسم التصنيع.
•    طراز N (Type N) يتميز بتوازن أحجام البذور نسبة السكر المختزنة يأتي في المرتبة المتوسطة من حيث المحصول ونسبة السكر، ويحتاج إلى فترة نمو أطول من سابقتها ويصلح للحصاد في منتصف الموسم.
•    طراز E (Type E) يتميز بكبر حجم الجذور وإنخفاض المحتويات السكرية في بداية الموسم وتحتاج إلى موسم نمو أطول من سابقيه لترتفع نسبة السكر المختزنة به ويصلح للحصاد في نهاية الموسم.
العمليات الزراعية للبنجر:
تتمثل عمليات البنجر الفلاحية في:
•    تحضير الأرض بالحرث العميق 30 سم ثم التنعيم، فالتزحيف.
•    الزراعة: لإستخدام الميكنة الزراعية المتكاملة تلزم الزراعة بالآلة والنظافة قبل 50 يوم من الزراعة، والتسميد الفوسفاتي والأزوني.
•    الري: يحتاج المحصول لقن مائي (4000) م3 للفدان.
•    الحصاد: يتم بعد حوالي 5 – 6 أشهر من الزراعة تبعاً للصنف، يوقف الري قبل 20 يوماً من الحصاد وتقلع الجذور بأكملها وتزال العروش الخضراء فقط، ويجب التوريد خلال 24 ساعة.
ولتحقيق إنتاجية عالية يوصى باتباع نظام الدورة الزراعية.
الأبحاث والتجارب:
إنطلقت التجارب والأبحاث لبنجر السكر في السودان في ثلاثينات القرن الماضي بمحطة بحوث الجزيرة (1930) وتكررت عام 1963 بالجنيد وفي مشروع الجزيرة ثانية (94 – 1995) ومرة أخرى عام 2003 واستمرت من 2008 م وحتى الآن في الجنيد، وهيئة البحوث الزراعية (البرنامج القومي لبحوث بنجر السكر) ومعهد بحوث قصب السكر بجامعة الجزيرة.
وتشير هذه البحوث إلى نجاح زراعة المحصول في ولاية الجزيرة وشمال السودان عامة وقد وصل متوسط إنتاجية الفدان بالجزيرة على أكثر من 40 طن جذور ووصل تركيز السكر إلى 18% مماثلاً لإنتاجية السكر في البلدان المنتجة والمصنعة لبنجر السكر. وقد أوصت ورشة عمل بنجر السكر التي نظمت بواسطة شركة كنانة الهندسية ديسمبر 2009 م بالترويج رسمياً لزراعة وصناعة بنجر السكر في شمال وأواسط السودان وتعيين منسق قومي لمحصول من هيئة البحوث الزراعية وقد تم تعيينه لتنسيق الجهود البحثية، وقد أقبلت شركات بنجر السكر العالمية على زراعة بنجر السكر في الجزيرة والسودان وفر 40 صنف للبرنامج القومي لبحوث بنجر السكر.
بنجر السكر اقتصادياً:
يشكل السكر المنتج من قصب السكر نسبة 60% من الإنتاج العالمي والسكر المنتج من بنجر السكر 40% ورغماً عن ذلك يفوق العائد من بنجر السكر العائد من قصب السكر.
ويتميز بنجر السكر كمحصول على محصول قصب السكر بقصر فترة إنتاجه ويمكن أن يدخل ضمن الدورة الزراعية، وتقل حاجته المالية بكثير عن حاجة قصب السكر، ويمكن زراعته في الأراضي عالية الملوحة مما يتيح استغلال الأراضي المهمشة ويصلحها. ونسبة استغلال بنجر السكر أعلى منها في قصب السكر وترتبط صناعة السكر من بنجر السكر بصناعات أخرى مثل تفل البنجر والمولاص التي تدر دخلاً كبيراً، أما تصنيع السكر من بنجر السكر أقل منها في القصب وكذلك إستهلاك الطاقة.
ينتج مصنع بنجر السكر سكر أبيض مباشرة ويحتاج سكر قصب السكر إلى التكرير ليعطي سكر أبيض.
زراعة بنجر السكر في السودان:
أثبتت التجارب العديدة والأبحاث نجاح زراعة بنجر السكر في العديد من بقاع السودان شماله وشرقه والوسط مثل دنقلا، مروي، الحامداب الجديدة والحديبة والجنيد، والجزيرة، حلفا الجديدة، كنانة، النيل الأبيض وسنار.
ولاية الجزيرة تأخذ زمام المبادرة:
ما أن وعت ولاية الجزيرة ما تم به نتائج التجارب والأبحاث وما إنتهت إليه التظاهرات العلمية بإمكانية قيام صناعة بنجر السكر حتى بادرت إلى القيام بخطوات عملية آخذة بما توصلت إليه دراسة اللجنة الفنية وبدأت بزراعة 420 فدان إبتداءً بمشروع الجزيرة إعتباراً من موسم 2011 – 2012 م وإستجلاب مصنعين بطاقة 50 طن/ اليوم، وتم تحديد 21 موقعاً ضمن 7 أقسام بكل قسم 3 مواقع بوادي شعير والمسلمية وود حبوبة، وتم تحديد المشاريع التي يمكن أن تقوم بها صناعة بنجر السكر مساحتها 361 ألف فدان حيث تتوفر في معظمها البنيات الأساسية اللازمة.
كما تم الترويج للإستثمار في صناعة بنجر السكر داخلياً وخارجياً وأقبلت شركات صينية وتركية، وألمانية وبحرينية ومحلية.
خاتمة:
ختاماً وتأسيساً على ما تقدم يمكن القول بأن السودان موعود بأن يتبوأ موقعاً طليعاً في قائمة الدول المنتجة للسكر بما هو متاح من مقومات هذه الصناعة التي تزخر بها معظم أقاليم السودان.
وصناعة السكر في السودان يمكن أن تكون صناعة شعبية كما هو الحال في الهند التي يعرف فيها السكر الذي ينتجه المواطنون باسم (الجقري) وهو سكر خام، ويمكن أن تنتشر في القرى والريف بما يشيع العافية في إقتصاد البلاد والإرتقاء بمستوى دخل الفرد وتنمية الموارد الاقتصادية والاجتماعية.
وبدعم الدولة الراشد لكل ما يتصل بهذه الصناعة في مختلف مفاصلها يمكن أن تلعب صناعة السكر دوراً حيوياً أكبر في اقتصاد البلاد الذي يتهدده خروج البترول من الموازنة بعد تأثره بما آل إليه مشروع الجزيرة والسكة حديد وتذبذب عائدات الصادرات غير البترولية. 


المراجع: * معهد السكر جامعة الجزيرة:
1.    ورقة عميد المعهد د. كمال سليمان.
2.    ورقة الأستاذ/ باسم عباس.
* منسق السكر بهية البحوث الزراعية – د. عادل عمر